[ Inscrivez-vous ]
03 Novembre 2017
بعد تهميش طويل في عهد نظام العقيد معمر القذافي، يتلمس الجيش الليبي اليوم هوية جديدة ساعيا لتوحيد صفوفه والخروج من الظرف الصعب الذي يمر به منذ أن كان هدفا لثوار 17 فبراير 2011 الذين طالما اتهموه بالولاء المطلق للنظام البائد.
أمس الخميس في القاهرة بمصر، انتهت أعمال اجتماع ضم ضباطا ليبيين من شتى الاتجاهات لمناقشة توحيد الجيش الليبي المنقسم بين القوات المسلحة الوطنية بقيادة المشير خليفه حفتر والمتواجدة أساسا في شرق البلاد وبعض مناطق الغرب والجنوب الليبي، والكتائب المنتشرة في طرابلس ومصراته ومناطق أخرى من غرب البلاد.
لكن ينبغي الاعتراف بأن السنوات الأربع التالية لثورة فبراير 2011، أهمل فيها الجيش وأخرج من دائرة التاريخ في ليبيا التي تعيش مرحلة من إعادة التشكل، حيث أصبح دوره صوريا.
وهكذا لم يعد للجيش الليبي أي وجود في الواقع، بعد أن تفرق جنوده وضباطه أيادي سبإ، فمنهم من التزم بيته ومنهم من عاد للإقامة في الأرياف ومناطق الداخل الليبي ليعيش بين ظهراني العائلة والقبيلة.
لقد أسندت الحكومات المتعاقبة على السلطة مهمة تأمين المواقع الإستراتيجية والمباني الحكومية، غداة نجاح الثورة، إلى الجماعات المسلحة والمليشيات الخارجة للتو من رحم التمرد.
لم يعد للجيش الليبي عتاد ولا ثكنات فقد استولت عليها الجماعات المسلحة التي شاركت في الأعمال القتالية التي أطاحت بنظام القذافي. لكن ضباطا من هذه المؤسسة بدؤوا سنة 2013 يحاولون إعادة تشكيل جيش وطني ليبي.
غير أن اجتماعاتهم التي عقدوها لهذا الغرض كانت محل شبهة حيث اتهمهم رئيس الحكومة آنذاك، علي زيدان والمؤتمر الوطني العام السابق بتدبير انقلاب عسكري.
وفي مرحلة لاحقة، تحرك اللواء المتقاعد خليفه حفتر، حيث نشر شريط فيديو يعلن فيه تعليق المؤسسات ويشير ضمنيا إلى أخذ الجيش مقاليد الأمور في البلاد.
ورغم أن "هذه المحاولة الانقلابية" وُصفت بالعبثية إلا أنها قوبلت ضمنيا بترحيب كثير من الليبيين الذين ضاقوا ذرعا بحالة الانفلات الأمني المنسوبة للجماعات المسلحة والمليشيات المسؤولة كذلك عن التوترات بين مكونات المجتمع الليبي.
هذه الجماعات المسلحة والمليشيات أفضل عدة وعتادا من الجيش وتستفيد من أجور وعلاوات أخرى تدفعها لها الدولة الليبية بسخاء، ما عزز ووسع سيطرتها على الأرض مستغلة الفوضى لحفظ مصالحها ورافضة الدعوات المتكررة لنزع سلاحها وإعادة اندماجها. وهي بذلك تقف حجر عثرة أمام إعادة بناء الدولة وبسط الاستقرار فيها.
كما أن الحظر المفروض من الأمم المتحدة على توريد السلاح إلى ليبيا منذ 2011، يشكل عقبة أمام إعادة بناء الجيش، لكن الجماعات المسلحة والمليشيات استطاعت إيجاد طرق بديلة لاقتناء السلاح بمباركة القوى الإقليمية التي تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها القتل والاختطاف والتعذيب والنهب التي يمارسها عناصر هذه المليشيات.
وهكذا، فرغم هذه الفوضى، يتطلع الليبيون بشغف كبير إلى إعادة بناء دولة مستقرة لديها أجهزة أمنية قادرة على حفظ النظام والانضباط وضمان استقرار البلاد التي ما يزال الأمن الهاجس الأول فيها.
في تلك الأثناء، شهدت بنغازي، مهد الثورة الليبية التي اندلعت في فبراير 2017، ظهور جماعات إسلامية متطرفة كتنظيم أنصار الشريعة وغيرها من الكتائب الجهادية التي سعت لتعزيز حضورها في المدينة، إلى جانب وحدة القوات الخاصة الصاعقة، وهي وحدة من النخبة انضمت إلى الثوار غداة إعلان الثورة بقيادة اللواء عبد الفتاح يونس الذي اغتيل في يونيو 2011.
ذلك الاغتيال فتح حقبة سوداء توالت سلسلة من اغتيالات العسكريين والمدنيين بالرصاص والعبوات الناسفة التي تخبأ تحت سياراتهم. وطالت هذه العمليات الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني والفنانين.
أمام هذا الوضع، قرر اللواء خليفه حفتر وجماعة من الضباط والشباب الغاضبين من حالة الانفلات الأمني وتطرف الجماعات الإسلامية، إطلاق عملية "الكرامة" التي مكّنته، بعد ثلاث سنوات، من طرد الجماعات الجهادية من بنغازي حيث تم تحييد قياداتها واحدا تلو الآخر.
لا شك أن خليفه حفتر لا يتمتع، منذ "انقلابه الأبيض"، بسمعة طيبة لدى بعض ضباط الجيش والثوار في بعض مناطق الغرب الليبي، خاصة طرابلس ومصراته، وهو ما يعيق توحيد الجيش الليبي، الذي يتأثر كثيرا أيضا بعداوة المشير حفتر لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات بالمغرب في 15 ديسمبر 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة.
ومنذ أن عاد للخدمة بقرار من مجلس النواب، يمارس حفتر الذي أصبح قائدا للجيش الوطني بعد ترقيته لرتبة مشير، كل الضغوط على الهيئة التشريعية حتى لا تصوت بمنح الثقة لحكومة فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي.
يأتي ذلك في إطار حرب صامتة حيث أن المادة 8 من الاتفاق السياسي تعزل تلقائيا المشير من منصب قائد الجيش، حيث تنص على "أن جميع المناصب العسكرية والمدنية تعتبر شاغرة ابتداءً من توقيع الاتفاق، إلى أن يعين المجلس الرئاسي لها مسؤولين جددا".
وتسعى خطة العمل الجديدة للمبعوث الأممي، غسان سلامه، التي بدأ تنفيذها بالمرحلة الأولى من مراحلها الثلاث وهي مراجعة الاتفاق، لتذليل جميع هذه العقبات من خلال تعديلات يتفق عليها فريقا الحوار عن الجمعيتين، برلمان طبرق (شرق) ومجلس الدولة الأعلى (طرابلس) وهو هيئة استشارية.
ويجدر التذكير بأنه منذ 2011، تحاول المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وبعض الدول كالجزائر وتونس وتركيا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا تشكيل نواة للجيش الوطني الليبي القادم.
وهكذا، فقد يسمح لقاء الضباط الليبيين في القاهرة من 26 أكتوبر إلى 2 نوفمبر الجاري، بتفاؤل بشأن إعادة توحيد الجيش بالنظر إلى المواضيع المتعددة التي طرحت للنقاش والمشاركة الكبيرة للعسكريين الليبيين بعيدا عن التجاذبات السياسية والقبلية، بهدف المصلحة العامة للبلاد.
ومن بين القضايا التي تطرق لها اجتماع القاهرة، طبيعة العلاقة بين السلطة المدنية والجيش ووصاية السلطة المدنية على المؤسسة العسكرية. وتقرر عقد لقاء آخر لإكمال هذه المحادثات حول توحيد الجيش.
هي إذن خطوة جديدة لكنها يقينا ليست خطوة حاسمة نحو بناء جيش موحد غير قابل للانقسام تساهم مهامه السيادية في استقرار ليبيا وتأمين حدودها ويشارك بفعالية في محاربة الإرهاب والتطرف.
2017 GABON /INFOSPLUSGABON/IOL//FIN
Infosplusgabon/Copyright©